ابن سيرين

يعتبر الإمام محمد ابن سيرين رحمه الله أحد أشهر وأفضل مفسري الأحلام، ويُطلق على من يفسرون الرؤى والأحلام، العابرون أو المفسرون وهم أناس حباهم الله هبة وفراسة في التفسير الصحيح للرؤى ولأحلام.

والعابرون هم من العابدين الصالحين وعلى علم بأصول التفسير؛ فكان أفضل المفسرين، نبي الله محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأتم التسليم، فهو لا ينطق عن الهوى وإنما وحي من الله.

يأتي بعد ذلك النبيون أجمعون، ثم الصحابة المهديين، فالتابعين الأكرمين، والصالحين من أمة خير المرسلين.

محمد ابن سيرين أشهر مفسري الأحلام

نتطرق الآن إلى من هم أولي العلم في التفسير، والذين شهد لهم العلماء بذلك:

من الصحابة؛ الصديق، وعمر ابن الخطاب، وعثمان، وعلى ابن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن سلام، وأبو ذر الغفاري، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، والسيدة عائشة أم المؤمنين، والسيدة أسماء بنت أبى بكر، رضوان الله عليهم أجمعين.

ومن التابعين؛ محمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي والزهري، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وثابت البناني، عليه مغفرة الله ورحماته.

ومن الفقهاء والزهاد والعلماء؛ الإمام الشافعي، والاوزاعي، وسفيان الثوري، وأبو يوسف القاضي وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن واسع، ومالك بن دينار، وسليمان التيمي ومنصور بن عمار، ومحمد بن السماك، ويحيى بن معاذ وأحمد بن حرب، ويعقوب بن اسحق الكندي، وابو زيد البلخي، ومحمد بن زكريا.

مفسرين احلام غير مسلمين: ويجدر بنا الإشارة إلى أن هذا الفن قد اشتهر به بعض غير المسلمين: فلاسفة اليونان القدامى: كأفلاطون وأرسطو، والمشركين في شبه الجزيرة العربية: كأبي جهل، وأبو طالب بن عبد المطلب، وأبي العاص.

كما اشتهر به اليهود أيضاً، مثل: كعب بن الأشرف، وموسى بن يعقوب، وحيي ابن أخطب. كذلك كان لعلم التأويل مكانة عند المجوس، فقد اشتهر منهم: هرمز بن أزد شير، يمكنك أيضاً الاطلاع على ترجمة مفسر الاحلام عبد الغنبي النابلسي

من هو أول من كتب عن تفسير الاحلام؟

ولعل أول من ألفوا في هذا الباب من العلوم: العلامة محمد بن سيرين، وجعفر الصادق، والحسن بن الحسين رضي الله عنه، بعد ذلك تبعهم العديد من المؤلفين، مثل:

ابن نعمة، وابن غنام، وابن عمر السالمي، والنابلسي، وابن شاهين، وغيرهم، وفيما يلي، نضع بين أيديكم، ترجمة بسيطة لبعض الأعلام وأشهرهم في تفسير الأحلام:

مفسر الاحلام ابن سيرين

اسمه أبو بكر محمد ابن سيرين، كان من الزهاد الورعة، اشتهر بالعلم وخشيته لله وقولة الحق، هو أشهر علماء تفسير الأحلام على الاطلاق، كما أنه كان عالما في التفسير والحديث والفقه.

إلى جانب علمه بالقضاء وعلم الفرائض والحساب. كان تقيا، يصوم صيام داوود عليه السلام، كما عرفت عنه الدعابة، يعد ابن سيرين من علماء المحدثين، فكان مجتهدا في طلب حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حافظا متقنا.

يروي الأحاديث رواية مضبوطة، ولقد روى عنه أئمة الحديث الستة. قال ابن عون: “ما رأيت مثل محمد بن سيرين، كان يأتي بالحديث على حروفه”، وذُكر عن حماد بن زيد أنه قال: “لم يكن أحد بالبصة أعلم بالقضاء من ابن سيرين”.

وسمع حماد بن زيد نفسه مورقاً العجلي يقول: “ما رأيت أحداً أفقه في ورعه ولا أروع في فقهه من محمد ابن سيرين”، كان ابن سيرين رحمه الله ذا سمت حسن، ألقى الله له في قلوب الناس ودا، فكانوا إذا وجدوه في السوق غافلين في تجارتهم وبيعهم وشرائهم.

تنبهوا إليه، وأخذوا يهللون ويكبروا الله. وقال ابن جرير الطبري عن ابن سيرين أنه كان فقيها ورعا، قد شهد له أهل العلم بعلمه وفضله، وأنه حجة، كما أن ابن سيرين كان صاحب قولة حق، لا يخشى فيها لومة لائم، قال عنه هشام: “ما رأيت عند السلطان أصلب من ابن سيرين”.

نشأته وحياته

ولد العلامة أبن سيرين في مدينة البصرة بالعراق عام 33 هـ/653 م، وكان ذلك في ظل خلافة الخليفة الراشد الثالث، عثمان بن عفان رضي الله عنه. عرف عنه الصلاح والبر لوالديه، والنصح لأهله، فعن ابن عون أنه قال عن ابن سيرين.

كان يخفض صوته عند أمه احتراما له، فلو رآه غريب في هذه الحالة، سيظن أن به سقم بسبب انخفاض كلامه، عمل ابن سيرين بالتجارة، فقيل إنه كان بزازا، أي أنه يتاجر في الأقمشة، فكان في النهار يعمل تاجرا، وإذا جن عليه الليل، كان قائما بين يدي الله، يتلوا القرآن ويبكي.

كان والده “سيرين” من “جرياي” في العراق، وقد أسره جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في معركة عين التمر -مدينة غرب الكوفة- وحين تقسم الغنائم والأسرى، وقع سيرين في نصيب الصحابي أنس بن مالك، ثم أسلم سيرين وحسن إسلامه.

وقد أعتقه أنس رضي الله عنه بعد ذلك، وتزوج من مملوكة لأبي بكر، تسمى صفية، وكانت من الصالحات، العابدات، القانتات، يمكنك أيضاً الاطلاع على سيرة مفسر الاحلام الشهاب ابن نعمة

شيوخ ابن سيرين

وقد تتلمذ الإمام محمد ابن سيرين رحمه الله على يد الكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الصاحبة رضوان الله عليهم: أنس ابن مالك، وأبي هريرة، وعبد الله بن الزبير، وزيد بن ثابت.

وعمران بن الحصين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وقد نهل من علمهم وحفظ عنهم حديث رسول الله؛ حيث قال هشان بن حسان: “قد أدرك محمد بن سيرين ثلاثين صحابياً”.

تلاميذ ابن سيرين

كان أبن سيرين عالماً في الفقه والحديث وتعبير الرؤى، ولذلك تتلمذ على يديه العديد والعديد من التابعين وتابعي التابعين، ولعل من أشهر العلماء الذين تلقوا عنه العلم، الأئمة الستة فقد سمعوا منه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه عنه.

ومن العلماء البارزين، نذكر: مهدي ابن ميمون، قتادة بن دعامة، يونس بن عبيد، وهشام بن حسان.

مناقب الإمام ابن سيرين

كانت مجالس ابن سيرين لا يُذكر فيها إلا الخير، وإذا ذكرُ شخص عنده بشر، فكان يذكره بخير ما فيه وزيادة، ومن ورعه وتقواه أنه أخذ على نفسه عهدا بأن يخرج ديناراً صدقة كلما اغتاب أحدا. حينما يريد أن يمدح أحدٍ ما، قال: “هو كما يشاء الله”.

وإذا أراد ذمه، يقول: “هو كما يعلم الله”، ولقد روي عنه أنه سمع رجلا بعد وفاة الحجاج يذكره بسوء، فنهاه أبن سيرين عن ذلك وقال له إن الحجاج أفضى إلى ربه، وأنك قادم عليه أيضا، ويومئذ لكل منكما شأن يغنيه.

عرف ابن سيرين بقولة الحق عند السلاطين والملوك، وعدم خشيته في الله أحداً، فكان ينصح لله وللرسول، ذكر أن والي الخليفة الأموي على العراق، وكان اسمه عمر بن هبيرة، دعاه يوما إلى مجلسه، واستقبله استقبالا حسنا وأكرمه.

فلما سأله عن حال الناس في مكانه، فقال: “تركتهم والظلم فيهم فاش وأنت عنهم لاه”، وعند انصرافه من مجلس الوالي، أراد أن يجزل له في العطاء، فرفض هديته ابن سيرين، مما يدل على ورعه وخوفه من الله، أنه ذات يوم اشترى زيتا وفيرا، وحينما فتح أحد أواني الزيت، وجد فيها فأراً ميتاً.

فلم يرده إلى التاجر خوفا من أن يقوم ببيعه لأحد غيره فيتسبب في ضرره، وقام بسكبه في الخلاء، أيضا مما يدل على ورعه وتأدبه، حينما سجن بسبب دين عليه، فقال له السجان في الليل اذهب إلى أهلك، وتعال في الصباح، فقال له ابن سيرين: لن أعينك على خيانة السلطان.

روي عن السيدة حفصة بنت رشد، أنها رأت مروان بن المحملي في المنام في منامها، وحينما سألته عن حاله، قال أدخلني الله الجنة، وجعلني من المقربين، فقالت له: ومن رأيت؟ قال لها: رأيت الحسن البصري، ومحمد بن سيرين.

يمكنك كذلك الاطلاع على تفسير ابن سيرين لرؤية التمر في المنام

تفسير الاحلام لابن سيرين

من أشهر المؤلفات التي تنسب للعلامة ابن سيرين، كتاب “منتخب الكلام في تفسير الأحلام”، وهو مكون من جزأين، وقد جاء هذا الكتاب مصنفا على الحروف الأبجدية في تفسيره للأحلام. والجدير بالذكر أن هذا الكتاب تُرجم للاتينية واليونانية.

بعض نوادر كتاب تفسير الاحلام لابن سيرين

ومن أندر ما روي عن الإمام محم ابن سيرين رحمه الله، ما يلي:

من رأى ربه في المنام، دخل الجنة، كذلك من تفسير حلم ابن سيرين رحمه الله: أنه قد رأى رجل نفسه في المنام وكأن صبيا في حجره ويصيح، فقال له ابن سيرين: “اتق الله ولا تضرب العود”.

قال له رجل رأيت نفسي أشرب من بلبلة لها مثقابان، إحداهما عزب والآخر مالح، فقال له: “اتق الله، لك امرأة وانت تخالف إلى اختها”، قص عليه رجل أنه رأى نفسه يبول دما، فقال له: “اتق الله ولا تأتي امرأتك وهي حائض”.

قال له رجل رأيت وكأنني أحرث أرضا ولا تنبت، فقال له: “أنت رجل تعزل عن امرأتك”، وقال آخر: “رأيت كأني أطير بين السماء والأرض قال أنت رجل تكثر الأمنيات”.

رأى بن سيرين في منامه وكأن الجوزاء تقدمت الثريا، فقام بكتابة وصيته، وقال بأن الحسن البصري سيموت، وأنه لاحق به، فمات الحسن البصري، ومات بعده ابن سيرين بمئة يوم، ودفن إلى جواره في مرقد الحسن البصري.

يمكنك أيضاً أن تقرأ تفسير بن سيرين لرؤية الجمل في المنام من كتاب تفسير الاحلام لأبن سيرين

تاريخ وفاة ابن سيرين رحمه الله

توفي الإمام ابن سيرين رحمه الله في مدينة البصرة، في 9 شوال سنة 110 هـ، الموافق 14 يناير729م، عن عمر يناهز الثامنة والسبعين.

وقد ترك لنا علمه في تفسير الاحلام والذي يعد أحد أهم وأفضل المراجع في هذا العلم حتى الآن، نسأل الله أن يتقبله منه ويجزيه عنا خير الجزاء.

زر الذهاب إلى الأعلى